وكأن الإسلام يطارد المحبين، ويحارب بواعث الحب والغرام، ويجفف منابع الود والحنان والإشتياق، ويقف حائلًا دون تحقيق الهدوء النفسي والإستقرار العاطفي الذي يرجوه ويتطلع إليه بنو آدم ذكورًا وإناثًا، والذي لن يتحقق البتة إلا بالزواج لأنه سنة الأنبياء والمرسلين وآية من آيات الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
يضبط الزواج الحب ويهذبه ويضعه في الإطار السليم، فيسمو ويرتقي بالأنفس ويقيها شر الوقوع في الحرام والهلاك، لما له من غايات سامية وأهداف نبيلة تعجز كل العلاقات الأخرى بمختلف صورها عن تحقيقها..
إلا أن العديد من أبواق الغرب في الشرق خاصة شياطين الإنس المسيطرين على الفن والإعلام في العالم العربي والمتآمرين على الثوابت والأعراف والفطرة التي جُبِل البشر عليها دأبوا منذ عقود على تشويه ومحاربة الحلال وضربه في مقتل، وتصدير الحرام من القول والفعل للمشاهدين بعد تجميله وتغليفه بأغلفة براقة مثيرة ولافتة للأنظار والأسماع، تُحَرِّضُ على القبول به وإعتياده وكأنه طبيعي ومشروع، وما دون ذلك غريب وباعث على الإشمئزاز والرفض، عن طريق عرض رؤاهم المسمومة وأفكارهم المهلكة في الدنيا والآخرة من خلال الأعمال السينمائية والتليفزيونية الهدامة التي تهدف في المقام الأول إلى محاربة الإسلام والمسلمين وطمس العروبة وقتل النخوة والعفة نهائيًا وتشويه المجتمعات العربية ونشر كل ما حرم الله لتستوطن فيها الفواحش وتنتشر الأمراض وتبقى الأمة العربية في ذيل الأمم لا ترى تقدمًا في أي مجال، ومن ثم يسهل إختراقها وأستعمارها وإغتصاب خيراتها وثرواتها دون قدرةٍ من شعوب الوطن العربي على الصد والدفاع!!..
فلم يسلم الزواج من شر اولئك الفجرة العابثين مدمني دس السم في العسل، حيث شوهوا -لا سامحهم الله- مآربه ومقاصده، وطرحوا له بديلًا مدمرًا خطير الويلات ألا وهو الزنا بإسم الحب، والعُهر باسم العشق، إلى جانب وضع مبررات واهية لإقامة علاقات آثمة غير شرعية بين الذكور والإناث تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان، ومنها: الصداقة والأخوة أو تشابك المصالح في العمل وخلافه!..
فأوهموا من يتابعهم من ضِعاف الأنفس والإيمان بأمور مغلوطة تخالف الحقيقة، لا يقبلها المنطق والعقل السليم، وتلفظها الفطرة النقية، ومن بينها: أن الزواج مقبرة الحب، وأن الحب يأتي من أول نظرة، وأن مِن الحب ما قتل، وغير ذلك من أكاذيب وأفكار ملعونة تشوه ما أحل الله وتجمل وتزين ما حَرم سبحانه!.. مستغلين قسوة الظروف المعيشية التي يعانيها الكثير من الشباب في العالم العربي والتي تكبلهم وتعيقهم عن الزواج لإرتفاع الأسعار بشكل جنوني وتفشي البطالة وغَلاء المهور ومطاردة الإباحية والخلاعة لهم أينما وُجِدوا!..
إن ما يسمى بـ الحب الذي يعيشه العديد من الشباب من الجنسين في زماننا هذا فيه من العيوب والشطط ما يجعله لهوًا ولعبًا، فلا نرى له هدفًا، ولا نتلمس له ضوابط ومعايير، وإنما نراه خفيًا مستترًا أو بارزًا متبجحًا يلتقي مع السراب في كثير من الحالات، ويترك هذا الحب جراحًا تدوم إلى أبد الدهر، ونادرًا ما ينتهي بالزواج، وإن إنتهى بالزواج فسيكون الطلاق هو المصير المنتظر في كل لحظة لكثرة الشكوك والظنون التي تسيطر على كل طرف تجاه الآخر!..
قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:109].
لن يكون الزواج أبدًا مقبرة الحب -كما يُصَوِّر لنا معاونو إبليس- لو حلت التقوى والخوف من الله ومراقبته في أقوالنا وأفعالنا وحسن الإختيار على أساس الدين والخُلُق محل التبجح والجرأة على الله وإتباع خطوات الشيطان المهلكة والبعد عن التمسك بتعاليم الإسلام وقيمه العظيمة التي تهدف إلى حماية المسلمين من الوقوع في أسر الفتن والمحرمات، وتعمل على ضبط الشهوات والملذات ووضعها في الإطار الشرعي الصحيح الذي يأتي بالخير وصلاح أحوال الأفراد والمجتمعات..
فليس هناك حب قبل الزواج.. الحب الحقيقي هو الذي ينشأ ويترعرع في المؤسسة الزوجية، أما ما عدا ذلك فهو خيال ووهم وغم وهم بالليل والنهار.. والسعيد من إتعظ بغيره.
الكاتب: هناء المداح.